فصل: مسألة العبد يتصدق عليه فيأبى أن يقبل:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة أخوين أوصى أحدهما بوصية بحظه من مورثه:

قال: وسألته عن أخوين أوصى أحدهما بوصية فكتب فيها: وقد تصدق فلان بن فلان الفلاني على أخيه فلان بن فلان، بحظه من مورثه في دار أبيه وجنانها وبئرها، وكل ما صار له فيها، تصدق به صدقة لله بتلا، أمضاها فلان الموصي لأخيه فلان حي أو ميت، وما كان من غير ذلك من متاع، أو ناض، أو عقار، أو حيوان، أو دار، أو قرية، أو شجر، أو رحى، أو حانوت، أو بيت في داخل المدينة، أو خارجا منها في أرباضها، أو خارجا من أرباضها، أو قراها في جميع الأندلس، أو في المشرق، ودارهم التي بأفريقية التي اشتروا من ورثة أبان بن راشد الحلي، أو رقيق في كل ما سمياه في قراهم، أو غير ذلك من البلاد، من قليل أو كثير؛ فهو بين أخيه، وفلان شرعا سواء بينهما، فادعى الموصي أنه كان أوصى بهذه الوصية مما ذكر من شرك أخيه وصية منه، وأنه ينقضها إذا بدا له، كما ينقض الموصي وصيته، وادعى أخوه أن ذلك إقرار منه له بشركه الذي كان يعرف له، وقد كانا فيما يعرف الناس من ظاهر أمرهما شريكين حتى تجاحدا ذلك وتناكراه.
قلت: فهل ترى ما كتب صاحب الوصية في وصيته هذه إقرارا لأخيه، ومبتدؤها وصية على ما ذكرت لك، وكان كتبه إياها عند غزوة غزاها، وهو صحيح سوي، قال:
أرى إن ثبتت هذه الوصية التي اقتصصت بالبينة العادلة، أو بإقرار منه بها، أن يلزمه جميع ما فيها من الصدقة بحظه من الدار التي ورث عن أبيه وجنانها وبئرها؛ لأنه بتلها لأخيه ويلزمه فيما سوى ذلك من جميع ما كان في يديه يوم أقر لأخيه بها في هذه الوصية إقراره، فيجعل ذلك بينهما نصفين، وأرى ما نص من ذلك إقرارا منه لأخيه، ولست أراها وصية يجوز له نقضها كما ادعى، قال: وسألت عن ذلك ابن القاسم وأقرأته كتاب الوصية على مثل ما أقرأته ابن وهب، فقال مثل قول ابن وهب، ولم يخالفه في شيء منها.
قال محمد بن رشد: هذا كما قالا؛ لأن الإقرار فيها بيّن، وإن كان ابتداؤها وصية؛ لأن الرجل يلزمه أن يذكر في وصيته ما عليه من الحقوق، فهو آكد عليه مما يوصي به أنه ينفذ عنه، وبالله التوفيق.

.مسألة يتصدق على ابن أخيه أو على أخيه وهو صغير في حجره:

قال: وسألت ابن وهب عن الرجل يتصدق على ابن أخيه، أو على أخيه وهو صغير في حجره، وهو يليه بالنظر له، والقيام بأمره، وليس بوصي لأبيه، فيكون في يدي المتصدق حتى يموت؛ أيحوز ذلك عليه كحوز الوالد؟ وهل تحوز الأم لولدها الصغير ما تصدقت به عليه، أو الأجداد، أو الجدات، أو الأخوال، أو الخالات، أو الأعمام، أو العمات؛ قلت فسر لي رحمك الله من يحوز من هؤلاء على الصغير ما يتصدق به عليه إذا كان في حجره؟ ومن لا يحوز عليه منهم؟ قال: لا يحوز من هؤلاء على الصغير ما يتصدق به عليه إذا كان في حجره إلا الأب، والوصي، والأم إذا كان يتيما في حجرها، وإن لم يكن موصى إليها؛ والأجداد بمنزلة الأب إذا لم يكن الأب، وكان الجد هو الذي يليه، وهو في حجره، والجدات بمنزلة الأم، إذا لم تكن الأم وكان في حجرها.
قال: وأما ما سوى هؤلاء، فلا يكون حوزهم حوزا للصغير إلا إن برئ منه إلى رجل يليه للصغير. قلت له: أرأيت الأبوين، والأجداد، والجدات، والوصي، الذين جعلتهم كالأب فيما يلي من الحوز للصغير، أيجزيهم الإشهاد وإعلان الصدقة، ويثبت ذلك للصغير المتصدق عليه، وإن انتفعوا بكل الغلات إن كان عقارا، أو لبس الثياب إن كانت الصدقة ثيابا، أو استخدام الرقيق إن كانت الصدقة رقيقا، أم لا يكون الحوز على الصغير ممن يلي ذلك له من هؤلاء الذين نصصت لك حوزهم عليه، إلا بحبس الغلة عليه، وأن تكرى تلك الصدقة باسمه، ويشهد على نفسه بما يقبض من غلته، وبرئ من الانتفاع بقليل ذلك وكثيره، وكيف إن لبس الثوب لبسا خفيفا، أو أتاه وأدرك بعينه، أو استخدم الرأس استخداما يسيرا.
قال: وسألت ابن القاسم عن مثل الذي سألت عنه ابن وهب من الحيازة على الصغير، فقال: لا يحوز على الصغير ما يتصدق به عليه إلا الأب أو الوصي؛ ولا يحوز له إلا من كان يجوز له إنكاحه والمبارأة عنه والاشتراء له، والبيع عليه. قال: قال ابن القاسم: وقد سألت مالكا عن الأم تتصدق على ابنها الصغير في حجرها قد مات أبوه، فقال: إن كانت وصية عليه فهذا الذي لا يعرف غيره أنه جائز، قال ابن القاسم: فأما ما سواها من أمر ليست بوصية، أو خال، أو عم، أو قريب، أو بعيد، فلا يحوز على الصغير، وإن كان في حجره، وأما أن يحوز له الأب أو الوصي، أو وصي الوصي ما تصدق به عليه أو تصدق به غيره عليه.
قال محمد بن رشد: في سماع عبد الملك من كتاب الوصايا، أن كل من ولي يتيما من قريب أو بعيد، فإنه يحوز له ما وهب له، ومثله من بيده اللقيط، ورواه ابن غانم، ونحوه في كتاب القسمة من المدونة أن الرجل يحوز مقاسمته على من التقطه، فهو قول ثالث في المسألة حسبما مضى تحصيله في رسم إن خرجت، من سماع عيسى، من كتاب الحبس، ولما سأل ابن وهب في هذه الرواية، إذ أجاز حيازة الأجداد والأم والجدات لما وهبوا، إذا كانوا في حجورهم، وجعلهم في ذلك كالأب، هل يكتفون من الحيازة بالإشهاد على الصدقة وإعلانها، وإن انتفعوا بأكل الغلات، وإن كان عقارا أو لبس الثياب، إن كانت الصدقة ثيابا، أو استخدام الرقيق إن كانت الصدقة رقيقا، أم لا تصح حيازتهم لهم إلا أن يكروا ما يكرى من ذلك بأسمائهم، ويشهدوا على أنفسهم بما يقبضون من غلات ذلك، ويبرءوا من الانتفاع بذلك بقليل ذلك أو كثيره، فسكت عن الجواب في ذلك، ولا أعرف له في ذلك مذهبا منصوصا عليه، وقد اختلف فيما عدا الملبوس والمسكون من ذلك في الأب والوصي على ثلاثة أقوال؛ قد مضى تحصيله في رسم الأقضية الثاني من سماع أشهب، فلا معنى لإعادته؛ وأما الملبوس والمسكون فلا اختلاف في أن الأب أو الوصي إذا لبس أو سكن ما وهب أو تصدق به، أو حبسه، بطلت حيازته، وكذلك من سوى الأب والوصي عند من يجيز حيازته ما وهب لمن في حجره، وبالله التوفيق.

.مسألة امرأة استخلفت رجلا يخاصم لها في منزل غصبته:

قال: وسألت ابن وهب عن امرأة استخلفت رجلا يخاصم لها في منزل غصبته، فخاصم حتى قضي لها به، وسكنت فيه سنة، والمستخلف المخاصم معها فيه، فسألها المخاصم أن تتصدق عليه بثلث ذلك المنزل الذي قضي لها به ففعلت، ثم إن المرأة قامت عليه بعد تدعي أنها كانت جاهلة بما تصدقت به عليه من ثلث المنزل، فأتت بشهيدين، فشهدا أن فلانا المخاصم لها المتصدق عليه، ادعى عند القاضي أنها جعلت له الذي أعطته في القرية في شخوصه وقيامه، وأنكر القاضي أن يكون علم ذلك من دعواه عنده، أو سمعه منه؛ غير أن الشهيدين قد ثبتا على شهادتهما بما كان يدعي عند القاضي من ذلك، وشهد له أيضا شاهد جائز الشهادة آخر أن فلانا المتصدق عليه كان يقلل عندها الذي سألها من الصدقة، ويزعم لها عند سؤاله إياها أنه يسير حقير لو عرفته، ثم ادعى المتصدق عليه أنها كانت صدقة منها عليه في صحة من بدنها، وجواز من أمرها بعدما عرفت الثلث الذي تصدقت به عليه، وموضع الفدادين، وما في ذلك الثلث من شجر، أو حجر، أو منتفع، قليل أو كثيرة؛ وأنه سكن معها في الصدقة عامين، وكانت الصدقة فيما زعم بعد أن قضي لها بالمنزل بسنتين أو نحو ذلك؛ قلت: فهل ترى صدقته ثابتة له عليها، والمرأة قد بلغت مبلغ من يجوز عليها أمرها من النساء؛ فقال لي ابن وهب: أرى الصدقة لها لازمة، وعليها جائزة بالذي ثبت عليها أنها تصدقت بذلك بعد معرفتها بما تصدقت به، قال: فأما إن كانت معروفة بالجهالة بذلك المنزل، فخدعت عما تصدقت به، وثبت لها أنه قلل لها وحقره عندها، وهي بذلك غير عالمة بالذي قضي لها به، ولا جائزة بالذي طلب إليها فيه، فأرى الصدقة على مثل هذا غير جائزة. قال: وسألته عن الجعل في الخصومة فلم يره جائزا.
قلت: فإن وقع، قال: يعطى أجر مثله في شخوصه، قضي له أو لم يقض بشيء؛ وقال: وسألت ابن القاسم عن صدر هذه المسألة على مثل ما سألت عنه ابن وهب، فقال: أرى أن الصدقة جائزة بعد أن يحلف المتصدق عليه بالله ما كان الذي تصدقت به عليه أمرا قاطعته به قبل الخصومة، وما الذي أحدثته من الصدقة أمرا كان أصله على المجاعلة في الخصومة التي قام بها، وما هو إلا شيء طاعت له به، لما قضي لها به على يديه، فتصدقت بذلك عليه شكرا ومكافأة؛ فإن حلف على ذلك، جازت له الصدقة للذي ثبت عليها من عمله، بما تصدقت به عليه، ومعرفتها به وبحدوده؛ وذلك أنا نرى أن رجلا لو سأل رجلا يقوم له في خصومة ويكافئه عليها؛ لكان الذي فعله لا يصلح، ولو قام بالخصومة على تلك العدة؛ لكان وجه الصواب في ذلك أن يعطي أجر مثله؛ قال: ولو أعطاه دارا، أو عبدا، أو أرضا مكافأة له، ففات ذلك وقبضه؛ لجاز ذلك، ولم يكن للمعطي أن يتعقبه فيه بأمر ينتزع به منه الذي تطوع له به وكافأه به من غير سلطان ألزمه إياه؛ لأنه إنما أعطاه ذلك للذي كان يلزمه له من أجر مثله فيما قام له به من الخصومة، وشخص له فيه، فأرى أنه إن كانت عطيتها إياه على غير مقاطعة سميت له في أصل الجعل، أو صدقة منها، فهي حلال في الأمرين جميعا العطية له جائزة، والصدقة كذلك، قال فإن كانت جاعلته على ثلث ذلك المنزل عند ابتداء الخصومة، فذلك موضوع عنها، وله أجر مثله؛ وذلك أن مالكا قال: لا يحل الجعل في الخصومة على إن فلج فله جعله، وإن لم يفلج فلا شيء له؛ ومن عمل في هذا فله أجر مثله.
قلت: فما وجه ما تجوز به الإجارة في الخصومة؟ قال: لا أرى به بأسا مشاهرة، إذا عرف وجه الشخوص فيها شهرا بشهر، فلا أرى أيضا بأسا أن يقاطع إذا كان الذي يخاصم فيه شيئا معروف القدر، خفيف الخطر، ووجه الشخوص فيه لا يكاد يختلف فيه.
قال محمد بن رشد: وقعت هذه المسألة في سماع سحنون، من كتاب الجعل والإجارة ملخصة محذوفة، وبعض ألفاظها مخالفة لما وقع فيها هاهنا، من ذلك أنه قال فيها هناك أنه ادعى أنها صدقة، وأقام البينة على صدقته، وهم مقرون بها، غير أنهم قالوا: إنما فعلنا؛ لأنا ظننا أن ذلك يلزمنا، وإنما قاموا عليه بعد سنين والمعنى فيها، أن الرجل خاصم في القرية لأربابها، فلما استحقها لهم تصدقوا عليه بثلثها، لقبض الثلث وحازه؛ ثم إنهم قاموا عليه بعد سنين، فقالوا: إنا كنا جاعلناك على الخصام في القرية بثلثها الذي دفعناه إليك، وذلك لا يجوز لك؛ لأنه جعل فاسد لا يجوز، وأقاموا البينة على إقراره بأنه أخذه على جعله بما شهد به عليه الشاهدان بأنه كان يدعي ذلك عند القاضي؛ وقال: هو إنما أخذته بالصدقة، وأقام البينة على الصدقة، فأقروا، وقالوا: إنما تصدقنا عليك به؛ لأنا ظننا أن ذلك يلزمنا بالجعل الذي شارطتنا عليه، فرأى ابن وهب الصدقة لها لازمة وعليها جائزة.
قال: فالذي ثبت عليها أنها تصدقت بذلك بعد صرفتها بما تصدقت به، وليس في السؤال ثبوت الصدقة عليها، وإنما وقع ذلك في سماع سحنون، من كتاب الجعل والإجارة، غير أن فيه إقرارها بها ودعواها الجهل بمقدارها، وذلك كثبوت ذلك عليما، ولا فيه أيضا ثبوت معرفتها بقدر الصدقة، غير أن فيه أنها سكنت في المنزل مع المخاصم لها فيه سنة بعد أن قضى لها به قبل الصدقة، وذلك يقتضي معرفتها بمقدار ذلك؛ قال: ولو كانت جاهلة بمقدار ما تصدقت، وثبت أنه قلل لها ذلك وحقره عندها لما لزمتها الصدقة، ورأى ابن القاسم أيضا الصدقة لها لازمة، ولم يعذرها بالجهالة، ولا رأى ما ثبت عليه هو من ادعائه أنه أخذه على جعله ضائرا له؛ لأن بإزائه إقرارها له بالصدقة التي ادعى، واستظهر عليه باليمين على أنه لم يقطعها بالثلث قبل الخصومة، وإنما طاعت له به بعدها شكرا ومكافأة عليها من أجل ما تضمنه السؤال من أنه شهد عليه أنه ادعى عند القاضي أنها جاعلته على ذلك، وفي قوله في آخر جوابه قال: فإن كانت جاعلته على ثلث ذلك المنزل عند ابتداء الخصومة، فذلك موضوع عنها، وله أجر مثله؛ وذلك أن مالكا قال: لا يحل الجعل في الخصومة على، إن فلج فله جعله، وإن لم يفلج فلا شيء له؛ ومن عمل في هذا فله أجر مثله دليل على أن ذلك جائز عنده على القول بأن الجعل جائز في الخصومة، على أنه إن فلج فله جعله، وإن لم يفلج، فلا شيء له؛ خلاف قوله في رسم أول عبد ابتاعه فهو حر، من سماع يحيى من كتاب الجعل والإجارة في الذي يقول للرجل: قم لي بطلب شفعتي، ولك إن استحققتها نصف سهمي، ونصف ما تأخذ لي بالشفعة؛ أن ذلك لا يجوز، وإن كان الجعل حلالا؛ لأنه جعل فيه ما لم يملكه بعد، وبينا هناك أن ذلك ينبغي أن يكون جائزا على القول، بأن الجعل في الخصومة جائز على أنه إن فلج فله جعله، وإن لم يفلج فلا شيء له بيانا شافيا، فلا معنى لإعادته، وهو ظاهر قوله هاهنا.
وقد اختلف قول مالك في الجعل في الخصومة على أنه إن فلج فله جعله، وإن لم يفلج فلا شيء له، وقع اختلاف قوله في ذلك في آخر كتاب الجعل والإجارة من المدونة، واختلف في ذلك قول أبي القاسم أيضا، روى عنه يحيى في أول رسم، من سماع يحيى، من كتاب البضائع والوكالات، إجازة ذلك، خلاف قوله في هذه الرواية، والأظهر إجازة ذلك؛ لأن الجعل على المجهول جائز، وإنما كرها ذلك على أحد قوليهما إذا كثر الجهل فيه استحسانا، وأما إذا قل الجهل فيه، وكان الذي يخاصم فيه شيئا معروف العدد، خفيف الخطب، وجه الشخوص فيه لا يكاد يختلف؛ فذلك جائز قولا واحدا كما قال في هذه الرواية؛ وقوله أن الوجه في الإجارة في الخصومة إذا عرف وجه الشخوص فيها، أن تكون مشاهرة شهرا بشهر، معناه أن يستأجره شهرا على الخصام بأجر معلوم، فإن فلج أو فلج عليه قبل تمام الشهر، كان له من إجارته بحساب ما مضى من الشهر، وإن انقضى الشهر ولم يفلج فاستأجره على التمادي على الخصام شهرا آخر أيضا، فإن فلج قبل تمام الشهر، كان له من إجارته بحساب ما مضى من الشهر، كالذي يستأجر الرجل شهرا على أن يبيع له ثوبا، فإن باع قبل تمام الشهر، كان له من إجارته بحساب ما مضى منه، وإن انقضى ولم يبع شيئا استوجب جميع أجرته؛ وكذلك قال مالك في كتاب ابن المواز إنما تجوز الإجارة في الخصومة بأجر معلوم، وأمد معلوم، يكون ذلك له ظفر أو لم يظفر؛ قال ابن القاسم: ثم ليس له ترك ذلك حتى يستخرجه؛ قال أصبغ: كالإجارة على بيع السلعة، وإن لم يتم وقتا إذا كان لذلك وقت قد عرفه الناس، والأجل على كل حال أحسن، وقول أصبغ صحيح على ما قالوا في الشيء الذي يباع من جاعل أن الإجارة على بيعه جائز دون ضرب الأجل؛ لأن العناء في بيعه معروف، فهو أجل معلوم، وبالله التوفيق.

.مسألة يتصدق على ابنه الصغير برقيق:

ومن كتاب أوله: أول عبد ابتاعه، فهو حر:
مسألة قال: وسألته عن الرجل يتصدق على ابنه الصغير برقيق، ثم يموت فيترك الورثة تلك الرقيق في يد المتصدق عليه نحوا من ثماني عشرة سنة، ثم يريدون اقتسام تلك الرقيق، ويقولون: إنما تركناها في يدك على حال إرفاقك بخدمتها، فإذا زعمت أنك حبستها بأنها عليك صدقة، فهات على دعواك بالبينة؛ فيقول: قد طال ترككم إياها عندي معرفة منكم بحقي، ولو سألتموني البينة على الصدقة بحداثة موت أبي وجدتها، وقد ماتوا اليوم أو نسوا، وفي ترككم إياها في يدي إقرار منكم بمعرفة صدقي، ولعله قد كان يعتق ويتصدق ويبيع.
قال ابن القاسم: إن جاء بالبينة على أهل الصدقة فالأب عليه حائز مع قبضه للرقيق بعد أبيه، وترك الورثة ذلك في يدي لا يكلفونه حوزا، ولا يسألونه إياه، وإن لم تكن له بينة على أصل الصدقة، وإنما أراد أن يوجب لنفسه دعواه بترك الورثة اقتسام الرقيق، فلا حق له فيها إلا مورثه منها، إلا أن يكون إذ حازها بالقبض لها، كأن يعتق ويبيع ويصنع ما يصنع المرء فيما خلص له من الأموال، فإن كان كذلك مع حضور الورثة وعلمهم بفعله، فهو أحق بالرقيق من جميع الورثة، قال: وإن كان إنما أعتق رأسا من عدة رقيق، أو تصدق بيسير من كثير، فإن ذلك لا يوجب له الصدقة التي ادعى، لا فيما أحدث فيه، ولا فيما بقي من الرقيق؛ غير أنه إن كان أعتق، قوم عليه؛ وإن كان باع، غرم أنصباء أشراكه من الثمن لحضورهم وعلمهم بالبيع؛ قال: وإن كان الذي أحدث فيه من العتاقة والبيع والصدقة، وما أشبه ذلك في جل الرقيق وأكثرها، فالذي بقي من الرقيق تبع لما أحدث فيه يستحق ما بقي بما ادعى من الصدقة لحوزه ذلك، وقبضه دون إخوته.
قال محمد بن رشد: قوله: إنه لا يستحق الابن المتصدق عليه الرقيق بطول مكثها في يديه، إذا لم تكن له بينة على أصل الصدقة، صحيح لا اختلاف في أنه لا حيازة بين الأقارب الشركاء بالميراث وغير الشركاء بالسكنى والازدراع فيما يسكن ويزدرع، أو بالاستخدام واللباس فيما يستخدم ويلبس، وإن طالت المدة، إلا ما تناوله بعض الناس على ما في المدونة في قوله: وهذا من وجه الحيازة التي أخبرتك من أنه لا يجوز على مذهبه في المدونة في الحيازة بين الأقارب والأجنبيين وهو بعيد، وكذلك قوله: إلا أن يكون إذ حازها بالقبض لها، كأن يعتق ويبيع ويصنع ما يصنع المرء فيما خلص له من الأموال، فإن كان كذلك مع حضور الورثة وعلمهم بفعله، فهو أحق بالرقيق من جميع الورثة؛ صحيح أيضا لا اختلاف في أن التفويت بهذه الأشياء من البيع والعتق والهبة والصدقة والكتابة والتدبير والوطء، حيازة بين الأقارب الشركاء بالميراث وغيرهم إذا كانوا حضورا، ويفترق الحكم بين أن يحضروا التفويت، أو يعلموا به، وهم في البلد حضور، حسبما قد مضى بيانه في رسم يسلف، من سماع ابن القاسم، كتاب الاستحقاق، ويختلف إذا فوت بذلك الوارث أو القريب اليسير من الجميع أو الجل، وبقي اليسير: فقيل إن القليل تبع للكثير في الوجهين، وهو قوله في هذه الرواية، ومثله في رسم الكبش، من سماع يحيى، من كتاب الاستحقاق؛ وقيل: إنه لا يكون تبعا له في الوجهين؛ فإن كان أعتق رأسا من عدة رقيق، أو باعه أو وهبه، استحقه بذلك، ولم يكن لأشراكه في الميراث عليه في ذلك حق، لحضورهم وعلمهم، وإن كان أعتق الجل أو فوت ذلك بالبيع، أو الهبة، أو الصدقة؛ كان لأشراكه في الميراث حقهم فيما بقي، وإن كان يسيرا، وسقط حقهم في الكثير المتفوت، وهو ظاهر قول ابن القاسم في سماع سحنون، من كتاب الاستحقاق، وقد قيل: إن معنى ما في سماع سحنون إذا كان الذي حازه الوارث بهذه المعاني متناصفا، أو متقاربا، فلذلك قال: إنه لا يكون القليل تبعا للكثير، لا فيما حيز ولا فيما لم يحز، فلا يكون على هذا اختلاف في أن القليل تبع للكثير، وهو أولى من حمل ذلك على الخلاف؛ إذ لا اختلاف في أنه إذا كان ما حازه الوارث على أشراكه بهذه المعاني متقاربا، أو متناصفا، لا يكون بعض ذلك تبعا لبعض، وبالله التوفيق.

.مسألة ينحل ابنه الدنانير ويضعها على يدي رجل:

من سماع سحنون وسؤاله ابن القاسم قال سحنون: وسألت ابن القاسم عن الرجل ينحل ابنه الدنانير، ويضعها على يدي رجل، ثم يصوغها له حليا، أو كانت آنية، ثم أراد اعتصارها؛ قال: ليس ذلك له؛ لأنه قد تغير عن حاله، وإنما ذلك بمنزلة أن لو اشترى له جارية أو غير ذلك، ثم أراد اعتصارها، لم يمكن من ذلك، قال سحنون: وقال ابن وهب عن مالك في الدنانير والدراهم التي صيغت حليا، مثل قول ابن القاسم.
قال محمد بن رشد: قوله: أو كانت آنية يريد آنية فصاغها، فقوله في الدنانير والآنية إذا وهب ذلك لابنه ثم صاغه له حليا، أنه لا اعتصار له في ذلك؛ لأنه قد تغير عن حاله؛ تعليل صحيح، وهي علة متفق عليها إن كان صاغها بمال الولد، وأما إن كان صاغها له بماله، أو أخرج أجرة صياغتها منها، فيجرى ذلك على الاختلاف في الهبة تتغير في بدنها بنقصان أو نماء، من غير أن تنمو بنفقة الابن؛ لأنها إذا نمت بنفقة الابن، فلا اختلاف في أنه لا اعتصار للأب فيها، مثل أن يكون صغيرا فينفق عليه حتى يكبر، أو هزيلا فينفق عليه حتى يسمن، أو دارا فيصلحها ببنيان وما أشبه ذلك؛ فظاهر قوله في هذه الرواية أن تغير الهبة في بدنها بأي وجه كان من زيادة أو نقصان، يفيت فيها الاعتصار، وهو ظاهر قول مالك في المدونة ما لم يحدثوا دينا، أو ينكحوا، أو تتغير عن حالها؛ وهو قول أصبغ في الواضحة، خلاف قول مطرف، وابن الماجشون: إن تغير الهبة في بدنها بالزيادة والنقصان لا يفيت فيها الاعتصار، وأما تشبيهه صياغة الدنانير له بابتياعه له بها الجارية، فليس ببين؛ لأن الدنانير التي وهب له قد صارت لبائع الجارية، والجارية ليست عين ما وهب، وأما الحلي فهو عين ما وهب من الدنانير أو الآنية، وفي المدنية قال: سمعت مالكا يقول: الأب يعتصر من ابنه الجارية ينحله إياها، وإن ولدت عند الابن، وكذلك الحيوان، ولم يبين إن كان ولد الجارية من زوج أو زنى، والظاهر أن ذلك عنده سواء؛ إذ لو افترق الأمر عنده لبينه، ولا بين أيضا إن كان يعتصرها بولدها، أو دون الولد؛ فإن اعتصرها والولد من زوج، بقيت الزوجية بينهما؛ لأنها عيب، والعيب لا يفيت الاعتصار في أحد الأقوال؛ وهذا الظاهر من مذهبه، والأظهر أن يأخذها دون ولدها؛ لأن الولد نماء حدث بماله؛ لأنه هو المنفق عليها وعليه، أو الزوج على الاختلاف في ذلك.

.مسألة العبد يتصدق عليه فيأبى أن يقبل:

قال مالك في العبد يتصدق عليه فيأبى أن يقبل: إن لسيده أن يأخذ ذلك، وإن أبى الذي تصدق به إذا قال: إنما أردت العبد، أما إذا لم يقبل فلا أعطيك.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال، وهو مما لا اختلاف فيه أحفظه؛ لأن العبد لو قبل الصدقة، كان لسيده أن ينتزعها منه، فهو أحق بقبول ما تصدق به عليه، وبالله التوفيق.

.مسألة قال غلة حائطي لابني الصغير وله ولد كبير:

قال ابن القاسم: إذا قال الرجل: غلة حائطي لابني الصغير وله ولد كبير، وخمسة أوسق منه لفلان، وكان الحائط في يديه يقوم عليه ويليه، ويخرج الخمسة الأوسق للأجنبي ثم يموت، قال: أراها صدقة جائزة لابنه وللأجنبي؛ وإذا قال: غلة الحائط لفلان وللمساكين، وكان في يديه يخرج الغلة للمساكين ولفلان، ثم يموت وهي في يديه، لم يجز للمساكين ولا لفلان، وهو خلاف الأول.
قال الإمام القاضي: هذا بين على ما قاله من أن المسألتين مفترقتان؛ لأن العطية لا تصح إلا بالحيازة في صحة المعطي، وهو يحوز لابنه الصغير، فإذا قال غلة حائطي لابني الصغير، فله ثمرته ما عاش، وهو حبس عليه يحوزه له؛ وما استثناه منه لولده الكبير وللأجنبي، فكأنه قد استثناه لنفسه، فيجوز ذلك إن كانت الخمسة الأوسق ثلث غلة الحائط بعد نفقته أو أقل؛ وأما أن كانت الخمسة الأوسق أكثر من ثلث غلة الحائط، فلا يجوز ذلك، وبطل إن لم يخرج الحائط من يديه حتى توفي؛ لأن من حبس على صغير وكبير، فلم يحز الكبير، بطل نصيب الصغير؛ ولا اختلاف في هذا، وإنما يختلف في الهبة والصدقة حسبما مضى القول فيه، في رسم الحج والزكاة، من سماع أشهب من هذا الكتاب، وفي رسم إن خرجت، من سماع عيسى، من كتاب الحبس، وقد بين في هذه المسألة أنه جعل له غلة الحائط حياته بقوله فكان الحائط في يديه يقوم عليه ويليه، ويخرج الخمسة الأوسق منه للأجنبي؛ وأما من قال: غلة حائطي لفلان، ولم يقل حياته، فإن كان في وقت غلة الحائط، فليس له إلا غلة ذلك العام، بمنزلة من قال: ثمر حائطي لفلان وفيه يومئذ ثمر، حسبما مضى في نوازل سحنون، من كتاب الحبس.

.مسألة يتصدق على الرجل بالشيء ويقول إن أردت بيعه فأنا أحق به بالثمن:

وسألت ابن القاسم عن الرجل يتصدق على الرجل بالشيء، ويقول: إن أردت بيعه، فأنا أحق به بالثمن؛ قال: ليس هذه الصدقة بشيء؛ قلت له: فإن طال مكثها في يدي صاحبها، ثم أراد أن يقوم عليه، فيأخذ ذلك الشيء؛ قال سحنون، وذكر ابن وهب عن مالك أنه لا بأس بها؛ لأنه ليس ببيع.
قال محمد بن رشد: قوله: ليست هذه الصدقة بشيء؛ يريد فيكون الحكم فيها أن تبطل، إلا أن يرضى الواهب بإمضاء الهبة وإسقاط الشرط؛ وفي هذه المسألة أربعة أقوال؛ قد مضى تحصيلها في رسم إن خرجت، من سماع عيسى، أحدها: قول ابن القاسم هذا: أن الصدقة باطلة. والثاني: أن الصدقة جائزة، والشرط لازم له ولورثته إن أرادوا البيع؛ وقع هذا القول في المختصر لابن عبد الحكم، وهو قول مالك في رواية ابن وهب هذه: أنه لا بأس بها؛ لأنه ليس ببيع؛ وقد مضى الكلام في البيع والإقالة على هذا الشرط في أول سماع أشهب، من كتاب جامع البيوع، وفي سماع محمد بن خالد منه، ولم يقع لابن القاسم في هذه الرواية جواب فيما سأله عنه من قوله، قلت له: فإن طال مكثها في يدي صاحبها، ثم أراد أن يقوم عليه فيأخذ ذلك الشيء؛ لأنه أضرب عن ذلك وسكت عنه؛ فذكر سحنون متصلا بذلك رواية ابن وهب عن مالك، والجواب في ذلك عند ابن القاسم على مذهبه في أن الصدقة ليست بشيء، وأنها باطلة، أن له أن يأخذ صدقته، وإن طال مكثها في يدي المتصدق عليه بعد قبضه لها، وبالله التوفيق.

.مسألة تصدق على أخيه بنصف ماله وهو مريض:

من مسائل نوازل سئل عنها سحنون وسئل سحنون عن رجل تصدق على أخيه بنصف ماله، وهو مريض ليس مدنفا من مرضه طويلا، دام به سنين يخرج في حوائجه ويقضيها، فقبض أخوه الصدقة وحازها سنين، ثم إن الأخ المريض مات، فقام عليه ورثة المتصدق، فقالوا للمتصدق عليه: إن هذا لا يجوز لك؛ لأنه تصدق عليك في المرض، فلا يجوز لك إلا الثلث، وقد سألنا عن ذلك الفقهاء فقالوا لنا: إنه لا يجوز لك إلا الثلث، فدفع إليهم المتصدق عليه ما زاد على الثلث، ثم علم أن الصدقة كلها جائزة؛ فقال سحنون له: ومن يعلم أنك كنت جاهلا لا تعلم أن الصدقة لك كلها، أنت تدفع إليه مالك، وتبيعه له بعدما قد حزته وملكته؛ ثم قمت الآن تدعي الجهالة، ما أرى لك فيما دفعت إليه حقا؛ فقال له السائل: أنا أقيم البينة أنه قد قال: إن هذه الصدقة لا يجوز لك منها إلا الثلث، وقد سألت عن ذلك الفقهاء وأخبروني بذلك، فقال له: إن أقمت البينة على هذا، فأرى لك أن ترجع عليه بما أخذ منك.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة فيها ثلاثة أقوال؛ قد مضى تحصيلها في رسم أوصى، من سماع عيسى، فلا معنى لإعادته.

.مسألة تصدق على رجل بعبد على ألا يبيعه ولا يهبه سنة:

قيل لسحنون: أرأيت لو أن رجلا تصدق على رجل بعبد، على ألا يبيعه ولا يهبه سنة، ثم هو له من بعد السنة بتل يصنع به ما شاء، فقال: أراه جائزا، وله أن يبيعه ويصنع به ما شاء الساعة.
قال محمد بن رشد: قول سحنون في هذه المسألة: إن الصدقة جائزة، والشرط باطل، خلاف قوله في رسم إن خرجت، من سماع عيسى، في الذي يتصدق على رجل بصدقة على ألا يبيع ولا يهب، أنها حبس، والذي يأتي في هذه المسألة على قوله في تلك، أن يكون حكمه حكم من أخدم رجلا عبده سنة، ثم هو له بعد السنة، فيخدمه في هذه السنة على ملك المتصدق به، ثم يكون له بعد السنة بتلا، فتكون الجناية إن جنى عليه في هذه السنة لصاحبها الذي تصدق به، ويتخرج في المسألة أيضا ثلاثة أقوال سوى هذين القولين؛ أحدها: أن الصدقة جائزة، والشرط لازم، فيخدمه في هذه السنة على ملك نفسه، فإن جنى عليه كانت له جنايته. والثاني: أن الهبة باطلة، إلا أن يبطل سيده الشرط، ويمضي الصدقة؛ فإن مات السيد قبل أن يمضي الصدقة بطلت، وكذلك إن انقضت السنة قبل أن يمضيها. والثالث: أن المتصدق يخير بين أن يبطل الشرط ويمضي الصدقة أو يردها، فإن مات قبل السنة نزل ورثته في التخيير في ذلك منزلته، وإن انقضت السنة مضت الصدقة، ولم يكن له ولا لورثته في ردها خيار، وقد مضى ما يدل على ما ذكرناه في آخر سماع سحنون قبل هذا، وفي رسم إن خرجت من سماع عيسى؛ لأن الوجه في ذلك متقارب في المعنى، وبالله التوفيق.